المعرض الفردي لإلياهو أريك بوكوبزا، “مسألة عائلية”، يفتح نافذة على تاريخ وثقافة الجالية اليهوديّة التونسيّة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، من خلال التركيز على قصة والديّ الفنّان الشخصيّة اللذين انتقلا من تونس إلى باريس ومن هناك إلى إسرائيل. يدعو المعرض الزوار للدخول إلى بيت عائلة يهوديّة نموذجيّة من مدينة تونس، ويستند على قصص العائلة، شظايا ذكريات، أغراض ميدانية ومواد أرشيفيّة من تراث عائلة الفنّان وتراث الجالية اليهوديّة التونسيّة.

تم اختيار اسم المعرض بفضل المعنى المزدوج الذي يحمله: تراث الجالية، وضمنها عائلة الفنّان، الذي نتعلم عنه من الحقائق والأبحاث؛ وكونه أحيانًا عبارة عن حالة إشكالية، يتم مناقشتها في الفضاء الخاص الحميميّ للعائلة وتعتمد على شظايا ذكريات وسيرة بوكوبرزا الذاتيّة وعلى التفسيرات الشخصية. كلا المفهومين ينعكسان في نطاق نموذجيّ للمشاهدة في المعرض: بدءًا من المشاهدة الإثنوغرافيّة للأغراض المرتبة في مرافق المعروضات وحتى المشاهدة الحميميّة لأفراد العائلة خلال نومهم وكذلك ملاءات السرير المُطرزة المنشورة على حبل الغسيل لتجف في الشمس. مجمل الشخصيّات والأغراض في منشآت المعرض تأخذ المشاهدين في جولة في فضاء خاص ومُتخيل يكشف لحظات حميميّة بل وعادات وأعراف تعكس وتؤكد على فرادة أبناء الجالية التونسيّة من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، جالية فريدة بفضل اللقاء بين الثقافات المحلية، الثقافة الغربيّة في فرنسا التي تغلغلت بعدما تحولت تونس إلى مستعمرة فرنسيّة عام 1881، والقيم اليهودية الصهيونية.

تم تقسيم فضاء المتحف إلى غرف بناءً على مخطط بيت نموذجي للجالية: غرفة طعام، مطبخ، غرفة نوم وغرفة للأطفال. شخصيّة واحدة أو أكثر من أفراد العائلة حاضرة في كل غرفة في لحظة واحدة من الروتين اليوميّ بواسطة أفلام فيديو أنمي. الفضاء العام خارج البيت ينعكس عبر عملين آخرين: العمل الأول يعرض نفاذة يشرف على مناظر مبانٍ لمسلمين، بيوت سكنية وبحر أزرق؛ والعمل الثاني يعرض شاهد قبر يهوديّ، ويبزر صوت الأم المدفونة التي تتحدث مع ابنها المحبوب.

في كل غرفة يُعرض عمل تركيبيّ واحد أو أكثر تندمج فيها أعمال معاصرة وأغراض جلبها أفراد عائلة بوكوبزا من تونس إلى فرنسا ثم إلى إسرائيل. بعضها أواني بيتيّة، لكن معظمها أغراض من مهر والدة الفنّان. على الرغم من أنها أغراض عملية، فقد تم إحضارها إلى إسرائيل ليس بسبب قيمتها الاستخدامية، بل بسبب قيمتها الرمزية والحنين إلى الماضي، وهي أغراض تكاد تكون مقدسة. أدرك والداه أنهما لن يكونا قادرين على العودة لزيارة تونس، لذا فإن هذه الأغراض تلبي حاجة نفسية لتحمل معهم التراث الخاص والجماعيّ للوطن المفقود، بما في زيارة قبور أفراد الأسرة. يرى بوكوبزا هذه الأغراض على أنها “قطع أثرية” مادية تحمل ذكرى الثقافة والدولة المتروكين، وبالتالي اختارها كمرساة ونقطة انطلاق لقصص وذكريات من ماضيه الشخصيّ.

 

لم يكتفي بوكوبزا بالمعرض الفرديّ، ولذلك توجه إلى أفراد الجالية التونسيّة طالبا أن يساهموا في المعرض بأغراض جلبوها معهم إلى دولة إسرائيل. في بعض المعروضات نشاهد الملابس، أدوات الطعام والتقديم، مجوهرات وكتب مقدسة. جميعها تعرض خيارات عائلات أخرى للأغراض وهي تروي قصصًا أخرى من حياة الجالية.