رحلات الشرق
منذ بداية القرن التاسع عاشر توافد الفنّانون والباحثون الأوروبيون إلى الشرق الأوسط بحثًا عن مهد الديانات والبلاد المقدّسة وكموقع دينيّ مسيحيّ أو يهوديّ، ومن أجل توثيق الحيّز في إطار البحث العلميّ والإثنوغرافيّ. في أعقاب تطور المواصلات بين القارات، والبواخر التي اختصرت المسافات البحريّة وأصبحت الوسيلة الأكثر أمانًا والأقصر، بدأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وخاصة في نهايته، وصول مجموعات سياحيّة منظمة من أوروبا ومن الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، وإلى البلاد المقدسة بشكل خاص، وإلى مصر وشمال أفريقيا.
تعكس الأبحاث والأعمال الفنّيّة للوافدين من أوروبا والولايات المتحدة الحيّز والمنظور الغربيّ للشرق بواسطة رسومات زيتية وصور توثق البيئة وسكانها. زادت السياحة بشكل ملحوظ من صناعة الهدايا التذكارية من قبل السكان المحليين: البطاقات البريديّة، مجموعة الصور الفوتوغرافيّة وشرائح العرض، الخرائط، الكتيبات، مجموعات التوابل، الأزهار المُجففة من الأماكن المقدّسة، أغراض الزينة والكتب. كل هذه سوف تُشارك في المعرض وتعكس نتاج مجمل منتجات الزيارات إلى الشرق الأوسط.
كيف تم تصوّر الشرق الأوسط بعيون السائحين الغربيين، بالمعنى الحرفي للكلمة، وما مدى موضوعيّة نتاج ذلك اللقاء؟ هذه الأسئلة والعديد غيرها تشغل بال حقل الدراسات منذ سنوت طويلة. يتقصى أدوار سعيد في كتابة الاستشراق السياقات التاريخية للمصطلح. هو وغيره من الباحثين يدعون ويثبتون أنّ وجهة النظر الغربيّة تعكس تجرية مُتخيّلة وتصمم الشرق الأوسط كصورة مرآة معكوسة للغرب عن نفسه.
عمليًا، تجاهلت وجهة نظر الزائرين الغربيين الحيّز كما هو. فهم لم يميّزوا بين الفئات السكانيّة المختلفة والمتنوعة التي تسكن في المنطقة الجغرافية وفي هذا الحيّز. الأتراك، المغاربة، سكان الصحراء العرب، جميعهم شكّلوا بنظر الغربيين فئة عرقيّة واحدة: “أبناء الشرق”. وتم النظر إلى الفضاء الكبير هذا بعيون لا تاريخيّة، وتم التعامل معه كفضاء ساكن لا يتغيّر أبدًا، متجمدًا في الزمن لم تجري فيه عمليات جيوسياسيّة أي كانت. فكل ظاهرة شاهدتها عيونهم تم منحها غطاء توراتي من العهد الجديد الذي حجب وأخفى معالم الحاضر.
نُظر إلى ثقافة أبناء الشرق كثقافة ذات طبيعة بدائية، غريبة دائمًا وطفولية. وتم تصنيف الحياة اليومية تحت إطار الفولكلور، وتصنيف السكان وفق الأنماط البدائيّة: الأمير والأميرة، التاجر العجوز، الحاج ، الحكيم والدرويش المتجول. أما الفضاء فتم النظر إليه كأنه جنة عدن التوراتية القديمة يحافظ سكانه على تقاليد الماضي الخاصة بمهد الديانتين اليهوديّة والمسيحيّة، من ناحية اللباس، والأسماء واللغة. وبالنسبة لهم، فإن الأنماط البدائيّة للشرق ليست إلا جزءًا من قصة تدور في حيّز غريزيّ، لا أخلاقيّ ومتوحش يتخلله بعدًا من المثالية الرومنسية والتجربة الإروسية. لقد محى الوعيّ الأوروبيّ الشرق الأوسط كما هو، على كل قيميه الدينيّة والأخلاقيّة، وعلى جميع أساليب حياته المتلائمة من المناخ المحلي والجغرافية الخاصة به.
جميع الأعمال المشاركة في المعرض من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهي وليدة زيارة في الشرق الأوسط والتجربة التي عاشها الزائر في المنطقة. إلى جانب ذلك تشارك أربعة أعمال معاصرة لفنّانين يعيشون في إسرائيل: إلعاد أورن، إلياهو أريك بوكوبزا، دور غز، وعمل متشرك لياعيل سونينو ليڤي وتمار شليط أڤني. تعكس هذه الأعمال وجهات نظرهم حول الأعمال المشاركة في المعرض إلى جانب توجه نقديّ وشخصيّ بنظرة إلى الزمن الماضي.
زيارة المعرض والتمعن في الأغراض نتاج السياحة وزيارة الشرق الأوسط، وفي الأعمال المعاصرة كذلك، تستدعي أسئلة حول التمثيل. إلى أي مدى تعكس هذه الأعمال الحيّز الذي جرى اختباره مباشرة والذي ننظر إليه في الوقت الحاضر، أو هل تعكس حيّزًا استيهاميًا متخيّلًا. هذا النقاش، الذي يشكل المعرض جزءًا منه، ما زال ذا صلة وثيقة في السياق التاريخيّ والثقافيّ لخطاب سكان هذا الحيّز الذين يعيشون فيه بالنسبة لم يسكن خارجه.